تدعى زهرة البراري ، زهرة ليست ككل الزهور التي تسحرنا بجمالها وعطرها الذي يستهوي كل عاشق للخضرة والوجه الحسن .
تساءلت من تكون ياترى؟
إنها سيدة عصرها وكل العصور .
إمرأة ليس بالحديدية أو النووية ...
فهي لا تحتاج لتقديم أو توطئة للتعريف بها .
هي التي قال في حقها محمود عبد العزيز في فلم : " المتوحشة " مخاطبا الفنانة سعاد حسني : " أَعَلِمِكْ إِيهْ يَا بهية ؟ يَا زَهْرة برية ، عُمْرِ الزهورْ مَا حَدْ عَلِمْهَا فَنِ الأَلْوَانْ؟ دِي لْوَحْدَها سَحْرَانَا بْجَمَلْهَا وْ أَلْوَنْهَا ..."
كذلك هي زهرة البراري تسحر كل من يقترب منها بفسيفسائها و رونق تناغم أوراقها على جسور سمفونية شاعرية ، تُسْعد كل مستمع لها وتبكي كل عاشق لها و تنوّمُ كل عليل يشكو داءها .
سألتني : لماذا لا تكتب الرواية؟
دعك من تلك القصص الرخيصة التي تتسلى بكتابتها ...؟
يجب أن تدخل عالم الكتابة الروائية ، فأنت تملك مقومات الكاتب الذي له إنسياب في الكتابة لم أتلمسه في العديد من الكتاب الشباب .
- أجيبها :
سيدتي ، تقي بي إن قلت لك بأنني أكتب كنزوة .. والآن إنتهت تلك النزوة .
وهذه هي الحقيقة .
- تردف قائلة :
هكذا كان يقول نجيب محفوظ ، كانت نزوة ولما قبض بزمامها سكنته و إستعان بفكر الفيلسوف ليخلد أعماله.
بدأت أتساءل في نفسي :
غريب أمر هذه السيدة ؟
والأغرب رصانة لغتها ومستواها الفكري الذي يعود بي إلى العقاد و المنفلوطي ...
- تقول لي : إذن لماذا تهاب عالم الكتابة ؟
أو بصيغة أخرى تخاف من النقد؟
- أجيبها وبعد تأمل عميق :
من يمتلك فكرا فلسفيا لا يهاب النقد .
إن الأدب لا يفهم إلا بعقل فلسفي ، لقد صدق الفيلسوف الفرنسي ميشل سير حينما قال في كتابه "Eclaircissements":
" إِنَّ الفلسفة عميقة جداً، إلى درجة أنها تدرك بأن الأدب أعمق منها ".
وعمق الأدب حسب هذا المعنى لا يدرك أو يفهم إلا بعقل فلسفي بُنيانُه النقد و التفكيك.
تحثني محاورتي على الكتابة بدفعة تعبيرية قوية بكلمات أدبية جد معبرة تقول :
" وبين الحقيقة والحلم ... أجهل بالضبط مكامن تلك اللحظة التي أوصلتني ليلا لفتح الباب على مصراعيه على صفحات
الفايسبوك أن يزج بي في حوار سيعود بي إلى الماضي العيد... تداخل فيه الأمس البعيد بالحاضر ... "
- نعم كما قلت سيدتي ، فأنا بحاجة للعودة إلى ذاك الماضي الذي إنقضى و إنتهى لكي يصير موضوع معرفتي الآن في حاضري ... لكي أطرق أبوابه الموصدة في وجهي...
هناك ، هناك في ذاكرة القصر الكبير ، بعيدا عن ضجيج المدن الكبيرة بشراهة سكانها ونتوءات بنياتها...
لقد جعلتني محاورتي أحن معها للرجوع قهقرة إلى " الأوبيدوم نوڤوم "...
إلى " قصر كتامة " ...
إلى " قصر عبد الكريم "...
راجماً بالحجر القائد الخريف
وكل القواد الذين حكموا على تاريخ مدينتي بالولاء والطاعة لإنتهازبة الأهواء و الرغبات ...
صدق قريضك أيها الشاعر العرائشي :
لهفي على تاريخ أقدم حاضرة
بقيت حروف منه و العنوان
للقصر ذاكرة فذاها حاضر
و بالحداثة زانه العمران
من تكون هذه السيدة ؟
فهي تعرف القائد الخريف
الذي سهل الطريق أمام الغزاة
في معركة وادي المخازن ...
عديم الضمير و المبادئ أقدم على إحراق تراث الإنسانية ، مكتبة قصر كتامة ، لكي يقوم بشواء لحم الخروف على رماد
كتبها ...!!!
من تكون هذه السيدة ؟
بحق زهير وما قال عن سلمى:
صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله
وعري أفراس الصبا رواحله
و أقصر عما تعلمين وسددت
علي ، سوى قصد السببل معادله
- تقول :
أنا ملهمتك في الليلة الظلماءِ
حينما يفتقد البدر.
نعم أيتها السيدة الفاضلة :
سيذكرني قومي إذا جد جدهم
وفي الليلة الظلماءِ يفتقد البدر .
قد يطول بي الإنتظار رغبة في
معرفتك، لكن خوفي أن يطول مثلما طال إنتظار الشاب الذي ذكره كافكا في رواية:
" القضية " حينما طرق باب المدينة ومنع من دخولها ، وظل هناك ينتظر... لست أدري أين؟
إلى أن صار عجوزا وهو ما زال ينتظر حتى وصل إلى دار الشقاء ...
قضيتي ليست هي " القضية "
التي كتبها كافكا ، وإنما هي قضية فلسفة السؤال :
من تكونين ؟
وهل في تساؤلي قضية ترتبط بي ؟
أم بك ؟
وربما كما يقال في مثلنا المغربي :
" لْقَضِية فْطَاكِيَا "